كيف حولت إحتياطيات الغاز المكتشفة في موريطانيا الدولة الإفريقية إلى لاعب جديد في نادي مصدري الغاز الطبيعي ؟
بعد إعلان نواكشوط عن إكتشاف إحتياطيات هامة من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية و الأراضي الموريتانية بما يفوق 100 تريليون قدم مكعب ، أصبح الحديث عن لاعب جديد في سوق الطاقة أمرا تتداوله الشركات العالمية و الدول المرتبطة بشكل أو بآخر بإنتاج و تصدير الغاز في العالم
حيث يتوقع الخبراء أن يدخل الغاز الموريتاني المكتشف حيز التصدير بحلول العام 2023 خاصة و أن مستوى تقدم الأشغال في حقل "السلحفاة" للغاز الذي تشترك فيه موريتانيا مع السنيغال قد بلغ نحو 70% وفق السلطات المحلية ، و الذي يعتبر أحد أهم مكامن الإحتياطي الموريتاني من الغاز بتقديرات تنهاز 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة فيما قدرت نواكشوط إحتياطيات الغاز المكتشف فيها حديثا بأكثر من 100 تريليون قدم مكعب و هي التي لا يتعدى إنتاجها الحالي من الموارد الطبيعية 5 آلاف برميل من النفط يوميا و الشيء القليل من الغاز الطبيعي
و رغم أن هذه الكميات الهائلة المكتشفة من الغاز الطبيعي في موريتانيا تعتبر طوق نجاة لأوروبا التي تبحث حثيثا عن بدائل للغاز الروسي الذي إستورد منه الإتحاد الأوروبي نحو 155 مليار متر مكعب خلال بما يعادل 45% من وارداته من الغاز سنويا و ما يقارب 40% من إجمالي إستهلاك القارة وفق وكالة الطاقة الدولية ، إلا أنه منقذ أكثر لمصدريه بحيث يتوقع باحثون إقتصاديون حسب تقديرات أولية أن يبلغ مقدار العائدات من تصدير الغاز المسال لموريتانيا في المرحلة الأولى ما بين 170 و 300 مليون دولار أمريكي سنويا فيما يقدر أن يرتفع مقدارها تدريجيا خلال السنوات القادمة
إلى جانب ذلك ، ليس مختلفا فيه أن موريتانيا تعتبر دولة حديثة العهد بالإستثمار في مجال الطاقة و إنتاج الغاز الطبيعي و تصديره رغم إنطلاقها في التنقيب عن النفط منذ نهاية ستينات القرن الماضي، و هو سيدفعها لمحاولة الإستفادة من تجارب الدول المجاورة و تجربتها أولا في التعامل مع شركات الطاقة العالمية خلال إستثمارها في حقل شنقيط (أول حقل نفطي في موريتانيا) و المكتشف مطلع الألفية (2001) ، و رغم أن نواكشوط تبنت منذ العام 2005 مبادرة الشفافية في الصناعات الإستخراجية (الموارد الطبيعية) إلا أن ما يرشح للسطح من معلومات عن حقول الغاز المكتشفة و الإحتياطيات المقدرة منها لا يزال شحيحا و لا يبتعد كثيرا عن المعلومات العامة
و هنا يختلف المراقبون و الباحثون الموريتانيون بين من يرى أن موريتانيا ليس لها التجربة الكافية ميدانيا و لا الخبرات و الكوادر البشرية التي يخولها لدخول مناقصات و عقد إتفاقيات إستثمارية في مجال إنتاج و تصدير الغاز الطبيعي الأمر الذي يقلص قدرتها على تجاوز ثغرات الإتفاقيات الدولية في التنقيب و الإستخراج أو في التسويق في مجال الطاقة و التحصن منها ، و بين من يعتقد أن الإتفاقيات التي وقعتها نواكشوط مع الشركات الأجنبية لإستخراج الغاز من المياه الإقليمية الموريتانية قد تمت وفق أفضل الشروط التي يتم تطبيقها دوليا ذلك من حيث النسب التي ستحصل عليها موريتانيا أو من حيث الإلتزامات التي ستقدمها الشركات المستثمرة
من الجدير بالذكر هنا أن الغاز الموريتاني القادم للأسواق العالمية سيجعل من موريتانيا لاعبا جديدا معتبرا في سوق الطاقة العالمية و طرفا وازنا في التعاملات الإقتصادية خلال العقود القليلة المقبلة نظرا للموقع الإستراتيجي لحقول الغاز الموريتانية و التي لا يفصلها عن القارة الأمريكية سوى عرض المحيط الأطلسي فضلا عن قربها من الدول الأوروبية خاصة إذا ما قارنناها بالمصادر الأخرى للغاز القادم لأوروبا ، و نظرا إلى أن الغاز الموريتاني سيكون مميزا بكونه أقل تكلفة من حيث النقل و الشحن إذ يستغرق وقت إبحار شاحنات الغاز المسال للوصول إلى شمالي غرب أوروبا (إنطلاقا من موريتانيا) ما بين 5 إلى 6 أيام أي أقل من نصف الوقت المستغرق للشحن من الخليج الأمريكي و الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية و الذي يمتد ليصل ما بين 12 إلى 15 يوما ، و هو ما يجعل أسواق دول أوروبا الغربية المستهدفة أولا بالتسويق خاصة و أن المسافة إليها تقدر بنحو 1600 كلم عبر الأنابيب البحرية و نحو 4700 كلم عبر الأنابيب البرية
كما لا شك في أن موريتانيا ستصبح لاعبا مهما في خارطة الطاقة الدولية في وقت يتقلص فيه المعروض و تنقص القدرة على تغطية الطلب الذي شهد زيادة مع الحرب الروسية الأوكرانية ، رغم أنها لم تدخل مرحلة الإكتشافات الكبرى في مجال الغاز الطبيعي إلا حديثا مع إكتشاف حقل "تورتو أحميم" في العام 2015 و الواقع في المياه الإقليمية الموريتانية بعمق يصل إلى 2.7 كلم حيث يقدر أن يدخل حيز التشغيل بحلول العام القادم 2023 لينتج في مرحلة أولى نحو 2.5 مليون طن سنويا و يضاعف الإنتاج في مرحلة ثانية إلى 5 مليون طن سنويا
عموما ، فقط أتمت موريتانيا مخططات إستغلال الغاز الطبيعي عالي الجودة المكتشف حديثا في أراضيها (و في شواطئها كذلك) كما أبرمت عقودا مع شركات مثل "بريتش بتروليوم" البريطانية و "كوسموس إينرجي" و "إكسون موبيل" الأمريكيتين و "توتال" الفرنسية و هو ما يؤهلها لدخول نادي الدول المصدرة للغاز العام القادم ، حيث يقدر المختصون أن تصبح موريتانيا ثالث الدول إفريقيا من حيث تصدير الغاز بعد نيجيريا و الجزائر بعد بدأ إستغلال إحتياطياتها المكتشفة ، ما يجعلها تتنافس مع مصدرين آخرين لتعويض النقص في إيرادات أوروبا من الغاز بعد الأزمة مع روسيا .
Tags:
طاقة