ماذا تعرف عن تأثير الفراشة The Butterfly Effect ؟
ما علاقته بنظرية الفوضى و كيف يمكننا فهمها بالمنطق العلمي السليم ؟!
يبدو أن الفيزياء النظرية و كل ما تحتويه من نظريات بعيدة في تأصيلها و إثباتها و حتى شرحها عن الفيزياء الكلاسيكية خلق رغم قلة المهتمين بها و الدارسين لها هالة من الإعجاز تثبتها في كل مرة فشل مفسريها و شارحيها في تبسيط مفهومها و فك عقد معانيها
و لأن ما يعرف بتأثير الفراشة أو The Butterfly Effect كان و لا يزال أحد أهم النظريات التي أثارت جدلا و خلقت إختلافا في الآراء من حولها فإنه من المهم أن نقدم في هذا المقال من موقعكم مستقبل المعرفة بسطة خفيفة نرجو أن تكون، دون إدعاء أحقيتها في التفسير الشامل للنظرية، مدخلا مبسطا للمفهوم العام و أهم أساساته عسى أن يجد فيه القارئ العربي شيئا من الإيضاح و التقريب، متابعة طيبة
كيف نشأت نظرية تأثير الفراشة ؟
بدأت القصة مع تجربة بسيطة قام بها أحد علماء الرياضيات العاملين في هيئة الأرصاد الجوية الأمريكية سنة 1960 حيث قام بتغيير رقم بسيط جداً (مدخل) في إحدى المعادلات التي تستخدم في التنبئ بالطقس و هو في الواقع رقم بسيط جداً لا يتجاوز الواحد من الألف (0.001) ضمن الأرقام و المدخلات التي تعمل بها تلك المعادلات الرياضية، لكن مع دخول تلك المعادلات على الأجهزة الحاسوبية المسؤولة عن حساب عشرات العوامل الفيزيائية كسرعة الرياح و درجات الحرارة و الضغط و الرطوبة و غيرها، كانت النتيجة أن الحاسوب أظهر ناتجا نهائيا ليس له أية علاقة بالواقع و مغايرا بشكل كبير للتوقعات المناخية رغم أن التغيير الذي حصل في إحدى مدخلات المعادلات كان تقريباً مكافئا للتغيير الذي سينتج عن تأثير رفرفة جناح فراشة في قوة الرياح !
و من هنا ولد المبدأ القائل بأن "رفرفة جناح فراشة في الصين من الممكن أن يكون سببا في إحداث إعصار ضخم في أمريكا" و هو ما يعرف علميا بإسم "تأثير الفراشة" The Butterfly Effect أو "نظرية الفوضى الفيزيائية" Chaos Theory و هو بالأساس مبدأ فيزيائي نظري قائم على السببية بما يعني أن لكل حادث سبب مهما عظم الحادث أو هزل السبب !
أما "تأثير الفراشة" كمصطلح أدبي فقد ظهر إستعمله لأول مرة "إدوارد لورينتز" كتعبير عن وصف الترابط و التأثير المتبادل أو الأسباب المتواترة و المتسلسلة الناتجة أساسا عن فعل أو حركة تافهة نوعا ما، الأمر الذي يعني أن فعلا صغيرا جدا يمكن أن تنتج عنه سلسلة متعاظمة من الأحداث المتتابعة و المترابطة التي قد تنتهي بنتيجة مهولة أو حادثة رهيبة، و هنا فنحن نشبه الأمرة بكرة الثلج المتدحرجة أو أحجار الدومينو
أمثلة عن تطبيقات نظرية "تأثير الفراشة" The Butterfly Effect
رغم أن بداية نشوؤ النظرية كان مرده تجربة علمية (فيزيائية) إلا أن تطبيقات هذه النظرية يمكن أن تجد مجالات أخرى غير علمية أو مخبرية، فعلى سبيل المثال يمكن أن نشرح الأحداث المتراكمة و المتتالية التي إنتهت بنشوب الحرب العالمية الأولى بأنها أحداث تتطابق مع نظرية "تأثير الفراشة" حيث كان يوجد صبي من أصل صربي يعيش في البوسنة في العام 1908 أراد الإنضمام إلى مجموعة "اليد السوداء" التي تواجه قوات الإمبراطورية المجرية النمساوية بعد ضمها للبوسنة و الهرسك لكن تلك المجموعة رفضت إنتساب الصبي إليها بسبب قصر قامته، فأراد أن يثبت جدارته و كفاءته فعمد إلى إطلاق النار على ولي عهد النمسا و زوجته و اردتهما في سنة 1914 مما خلق سلسلة من الأحداث و المجريات التي إنتهت بإندلاع حرب عالمية خلفت ضحايا يقدر عددهم بحوالي 37 مليون إنسان بين قتيل و جريح .. حرب كان سببها رصاصتان !
![]() |
نظرية تأثير الفراشة |
أفضل الأفلام التي بنيت قصتها على نظرية تأثير الفراشة The Butterfly Effect
لا شك أن الأفلام السينمائية و على رأسها أفلام الخيال العلمي ما كانت لتترك نظرية علمية مدهشة مثل هذه النظرية لتستنبط منها قصة سينمائية مذهلة و خيالية تزيد من دهشة المشاهد و شغفه كونها مبنية على نظرية فيزيائية و علمية، و رغم أن الأفلام التي جاءت للتحدث عن نظرية "تأثير الفراشة" بشكل مباشر أم مقارب للفكرة إلا أن فلمين إثنين كانا الأكثر تصويرا و تطبيقا (سينمائيا) لهذه النظرية، و هما :
● فيلم "تأثير الفراشة" The Butterfly Effect
و هو أكثرها إرتباطا بنظرية تأثير الفراشة التي يستمد منها إسمه كما يظهر للجميع، حيث تدور أحداث الفيلم عن شاب يدعى "إيفان تريبون" كان يعاني في طفولته من مشاكل تتعلق بالذاكرة جعلته ينسى الأحداث المهمة في حياته و يعجز عن تذكرها رغم خضوعه لتأثير التنويم الإيحائي، لكن مع بلوغه سنا متقدمة يكتشف قدرته على تذكر الأحداث بل و العيش فيها بشكل حقيقي و واقعي إلى درجة قدرته تغييرها و تحوير مجرياتها، و هنا أمكن لإيفان إنقاذ حبيبته "كيلي" من الإنتحار حيث غير إحدى الأسباب التي كانت مؤثرة بشكل كبير في نفسيتها
المثير في الفيلم أن الأمور لا تسير كما أراد بطل الفيلم بعد رجوعه عبر الزمن لتغيير بعض الأحداث و المجريات، حيث أن تغيير بعض الجزئيات البسيطة التي تقود إلى واقع معين لا يضمن بالضرورة السير على نفس الخط الزمني الذي يؤول إلى ذلك الواقع الذي كان حاضرا قبل العودة إلى الوراء.. و هذا بشكل عميق يعتبر عين نظرية الفوضى الفيزيائية و هي بشكل أو بآخر ترجمة سينمائية لمفهوم السفر عبر الزمن و علاقته بالفيزياء النظرية
● فيلم "سراب" Durante la Tormenta
و هو فيلم إسباني يجسد بشكل خيالي و علمي محاولة تغيير الماضي، لكن ذلك قد يعيد الأحدث كما يريدها الشخص و إنما قد تأتي بعواقب وخيمة تسلبك أعز ما تملك في حاضرك، حيث ينبني الفيلم على إتصال بين شخصين (هما Vera Roy و الطفل Nico) من عائلتين عاشتا في نفس المنزل و في زمنين مختلفين إثر عاصفة رعدية وقعت بالمنطقة فتداخلت الموجات الزمنية بين الحاضر و الماضي فظهر الطفل على جهاز التلفزيون، لكن كما يحدث (نظريا) عند تغيير مدخلات و جزئيات الماضي يتغير الخط الزمني الحقيقي ما يدفع بالأحداث إلى واقع مغاير لما كان يعيشه الشخص قبل عودته بالزمن فإن Vera هنا و بعد أن حذرت الطفل Nico من حادث كان سيقع له و كانت على علم به كلفها إنقاذها للطفل فقدان زوجها و إبنتها حيث تغيرت تفاصيل حياتها جذريا لتصبح طبيبة ناجحة في مجال جراحة الأعصاب و غير متزوجة في حين أن زوجها في الخط الزمني الجديد لا يعدو كونه مريضا أجرت له عملية دماغ و إبنتها مريضة متوفية
و رغم محاولة Vera التواصل مع Nico مجددا للرجوع إلى الماضي و تغييره بما يضمن لها إستعادة إبنتها و حياتها الحقيقية إلا أن ذلك لا يزيد سوى الفوضى.. و هنا فإن تأثير الفراشة تؤكد الفيزياء النظرية و الرياضية بعمق و لا تنحصر في كونها نظرية فلسفية بل تضع "نظرية الشواش" Chaos Theory أو "نظرية فوضى الكون" التي تعتبر ثالث أهم نظرية بعد نظرية النسبية لآينشتاين و النظرية الكمومية في الواجهة
وسم : علوم
إقرأ أيضا :