إستراتيجية البقاء لشركتك الناشئة في ظل الوباء، مقال لعرّاب ريادة الأعمال ستيف بلانك

مقال للكاتب و رائد الأعمال الأمريكي ستيف بلانك حول إتراتيجية النجاة للشركات الناشئة في ظل جائحة كورونا 



إستراتيجية البقاء لشركتك الناشئة في ظل جائحة كورونا Steve Blank ستيف بلانك
إستراتيجية البقاء لشركتك الناشئة في ظل جائحة كورونا
Steve Blank ستيف بلانك 


كتب المؤلف و الكاتب و رائد الأعمال الأمريكي "ستيف بلانك" Steve Blank (ولد في 1953) الذي يعتبر عرّاب ريادة الأعمال مقالا تحدث فيه عن قراءته لإستراتيجة البقاء (النجاة) بالنسبة للشركات الناشئة في ضوء ما يمر به العالم من أزمات ناتجة عن إنتشار فايروس كورونا تحت عنوان (The Virus Survival Strategy For Your Startup)
فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال :


"الشتاء قادم !

هذه هي المقالة الوحيدة التي آمل أن أكون مخطأ تماما بشأنها 

مع تحول فايروس كورونا إلى حالة وباء عالمي، إذا كنت تقود أو تدير أي شركة ناشئة أو صغيرة فيجب عليك أن تسأل نفسك ما هي الخطة ب؟ و ماذا يوجد في قارب النجاة خاصتي؟

فيما يلي بعض الأفكار للعمل في حالة عدم اليقين و في ظل جائحة عالمية 

التأثير 

كان للعزلة الإجتماعية و حالة الطوارئ المحلية المعلنة تأثير مباشر على الصناعات التي تجمع الناس مثل المؤتمرات و المعارض التجارية و شركات الطيران و النقل البحري السياحي و جميع أنواع السفر و صناعة الضيافة إضافة إلى الأحداث الرياضية و المسرح و الأفلام و المطاعم و الدراسة

ترسل الشركات الكبيرة موظفين للعمل في المنزل و تغلق سلاسل البيع بالتجزئة الكبيرة متاجرها، في حين أن حجم التأثير على الشركات الصغيرة و العمال في "الاقتصاد الضخم" (الإقتصاد غير الرسمي) لم يذكره أي طرف، رغم أنه سيكون أسوأ بالنسبة لهم

فأصحاب الشركات الناشئة و الصغيرة لديهم إحتياطيات نقدية أقل و هامش خطأ أقل لإدارة الانكماش و الركود المفاجئ، لذلك سيكون تأثير التموج و التغذية المرتدة لجميع عمليات الإغلاق هذه تأثيرًا كبيرًا على الإقتصاد، حيث أن كل قطاع أو صناعة تتأثر تتسبب في خروج الناس من العمل و طبعا هؤلاؤ العمّال المُسرّحون من أعمالهم لا يشترون المنتجات و الخدمات جرّاء بطالتهم


في الواقع، لم يحدث من قبل ركود و إنغلاق للاقتصاد بسبب وباء و مع ذلك فقد تُفقد ملايين الوظائف في الأشهر القليلة المقبلة و تتدمر صناعات بأكملها، و هو أمر لم يُشهد منذ الكساد الكبير في الفترة 1929-1939 أن أكون مخطئًا، و لكن من المُحتمل أن يكون تأثير هذا الفيروس على الواقع الاجتماعي و الإقتصادية عميقًا كما سيغير طريقة التسوق و السفر و العمل لسنوات 


إذا كنت تدير شركة ناشئة أو شركة صغيرة، فإن أولويتك الأولى (بعد عائلتك) هي الحفاظ على أمان موظفيك و عملائك، و لكن الأمر المهم التالي هو السؤال : "ماذا سوف يحدث للبيزنس الخاص بي؟"


الأسئلة التي يحتاج كل مدير تنفيذي أو مدير شركة صغيرة طرحها الآن هي :

ما هي معدلات الإستنفاذ و الهبوط Burn Rate and Runway الخاصة بي ؟
• كيف يبدو نموذج عملك الجديد ؟
• هل هذه مشكلة لمدة ثلاثة أشهر أو سنة واحدة أو ثلاث سنوات ؟
• ماذا سيفعل مستثمري ؟

معدلات الإستنفاذ و الهبوط 

للإجابة على السؤال الأول، قم بتقييم إجمالي معدل الإنفاق الحالي أي مقدار المال الذي تنفقه كل شهر

كم هي النفقات الثابتة (تلك التي لا يمكنك تغييرها، كالإيجار مثلا) و كم هي النفقات المتغيرة (مثل الرواتب و الإستشارات و العمولة و السفر و الرسوم و التكاليف و ما إلى ذلك)
بعد ذلك، ألق نظرة على أرباحك الفعلية الشهرية و ليست التوقعات (لأن الإيرادات الحقيقية تأتي كل شهر خلاف التوقعات) أما إذا كانت الشركة في مرحلة مبكرة فقد يكون هذا الرقم صفرًا
إطرح معدل الإنفاق الإجمالي الشهري من أرباحك الشهرية للحصول على معدل الإستنفاذ الصافي
الآن ألق نظرة على حسابك المصرفي، تعرّف على عدد الأشهر التي يمكن لشركتك خلالها الإستمرار في إستنفاذ هذا المبلغ النقدي كل شهر، هذا هو معدل الهبوط (Runway) أي مقدار الوقت الذي تستغرقه شركتك قبل نفاد الأموال، لكن هذه المعادلات الرياضية تعمل في سوق عادية (ظروف عادية)


إذا كنت تجني أموالاً أكثر مما تنفقه، فلديك تدفق نقدي إيجابي أما إذا كانت شركتك ناشئة و لديك إيرادات أقل من نفقاتك فإن هذا الرقم سلبي و يمثل المبلغ المالي الذي تخسره شركتك كل شهر

إنقلب العالم رأساً على عقب، و للأسف، لم تعد السوق عادية
لم تعد جميع إفتراضاتك حول العملاء و دورة المبيعات و الأهم من ذلك، الإيرادات و معدلات الإنفاق و الهبوط صحيحة
إذا كنت شركة ناشئة، فمن المحتمل أن تكون قد قمت بحساب معدل الهبوط لتستمر حتى الجولة التالية من التمويل، و ذلك طبعا بإفتراض أنه ستكون هنالك جولة تالية، إذ قد لا يكون هذا ممكنا

كيف يبدو نموذج عملي الآن ؟

نظرًا لأن العالم اليوم لم يعد كما كان عليه قبل شهر، و من المحتمل أن يكون أسوأ بعد شهر من الآن، إذا كان نموذج عملك اليوم يبدو كما كان عليه في بداية الشهر، فأنت في حالة "إنكار" و ربما خارج تغييرات السوق
إن طبيعة الرؤساء التنفيذيين (المؤسسين) للشركات الناشئة هي التفاؤل، و لكن عليك أن تختبر و بسرعة إفتراضاتك حول العملاء والأرباح
إذا كنت تبيع للأنشطة التجارية (سوق B2B) فهل إنخفضت مبيعات عملائك ؟
هل من الممكن أن يغلق عملاؤك أنشطتهم الأسابيع القليلة القادمة ؟
هل سيقومون بتسريح موظفيهم ؟
إذا كان الأمر كذلك، فمهما كانت تقديراتك للإيرادات و دورة المبيعات التي لديك، فإنها لم تعد صالحة
أما إذا كنت تبيع مباشرة للمستهلكين (سوق B2C) فهل كنت تعمل في سوق متعدد الجوانب (Multi-sided Market) حيث يستخدم المستهلكون المنتج لكن الآخرين يدفعون لك مقابل البيانات الخاصة بالعملاء مثلا ؟
هل هذه الإفتراضات لا تزال صحيحة ؟
كيف علمت بذلك ؟ 
في هذه البيئة و المتغيرات الجديدة، تحتاج لمعرفة معدلات الإنفاق و الهبوط بشكل أدق 

هل هذه مشكلة لمدة ثلاثة أشهر أو سنة واحدة أو ثلاث سنوات؟

بعد ذلك، عليك أن تأخذ نفسًا عميقًا و تسأل نفسك، هل هذه مشكلة لمدة ثلاثة أشهر أم مشكلة لمدة عام واحد أم مشكلة لمدة ثلاث سنوات ؟
هل ستكون عمليات إغلاق الشركات بمثابة نقطة توقف مؤقتة في الاقتصاد أم أنها ستقود السوق (أمريكا و أوروبا تحديدا) إلى ركود طويل ؟
إذا كانت مشكلة لثلاثة أشهر فقط (و هي فرضية تبدو مستبعدة أكثر كل يوم) فإن التجميد الفوري للإنفاق المتغير (مثل التوظيف، التسويق، السفر، إلخ.) أمر سليم
و لكن إذا كانت التأثيرات ستؤثر على الإقتصاد لفترة أطول، فأنت بحاجة إلى البدء في إعادة هيكلة عملك، حيث تحتاج إلى إستراتيجية نجاة (قارب نجاة) و هي عبارة رائعة عن إكتشاف الحد الأدنى من الأشياء التي تحتاجها لإبقاء شركتك على قيد الحياة و الأشياء التي يجب تركها
أما إن كانت مشكلة مدتها سنة واحدة، فعليك تقليص معدلات الإنفاق (تسريح العمال و إلغاء الإمتيازات و البرامج للحد من نفقاتك المتغيرة) و إعادة التفاوض بشأن ما كان يبدو سابقًا مثل النفقات الثابتة (الإيجار، مدفوعات إيجار المعدات، و ما إلى ذلك) مع وضع الأساسيات فقط كعناصر من أجل البقاء في قارب النجاة
إذا كنت تبيع عبر الإنترنت، فقد يكون لديك ميزة (بإفتراض أن عملائك لا يزالون متواجدين) أو يمكنك تغيير إستراتيجية المبيعات
مهما كان منتجك أو سوقك الذي كان مناسبًا الشهر الماضي، فإنه لم يعد كذلك و يحتاج إلى التغيير لتلبية الوضع الطبيعي الجديد، هل هذا يفتح الباب لإقتراح قيمة جديدة للعملاء؟ أم للقضاء على المنافسين الآخرين؟ أم لتعديل المنتج؟
و إذا ما كانت المشكلة ستستمر لمدة ثلاث سنوات، فأنت عندئذ لا تحتاج فقط إلى التخلص من كل ما هو غير ضروري للبقاء، بل ربما يتطلب الأمر تصميم نموذج عمل جديد
على المدى القصير، إكتشف ما إذا كان يمكنك توجيه جزء من نموذج عملك نحو ملاءمة القواعد الجديدة للعزلة الاجتماعية
هل يمكنك بيع منتجك أو تسليمه أو إنتاجه عبر الإنترنت؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فهل يمكن أن يمثّل منتجك أو خدمتك قارب نجاة للآخرين للخروج من الركود؟

القيادة، التخطيط، و التواصل.. و العمل بتأنّ

قم بمراجعة أهدافك المتعلقة بإيرادات المبيعات و الجداول الزمنية للمنتج و قم بإنشاء نموذج عمل جديد و خطة تشغيل و قم بإيضاحها بشكل جيد للمستثمرين ثم لموظفيك، حافظ على تركيز الناس على خطة قابلة للتحقيق و يمكنهم فهمها بوضوح
إن كنت قد راقبت الوضع خلال الأزمة بشكل جيد فقد لاحظت أن أكبر خطأ يرتكبه الرئيس التنفيذي هو عدم إجراء تخفيضات شديدة القسوة للنفقات بسرعة كافية، حيث يقومون بتسريح الموظفين بشكل متقطع مع ظنهم بأن هذه الأزمة ستمر بشكل سحري، ما عليك فعله هو التصرف السريع و الآن
و إن كنت في شركة كبيرة تفكر في تسريح العمال، فيجب أن يكون الخيار الأول هو تخفيض رواتب المديرين و الموظفين الأعلى أجراً لمحاولة إبقاء الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الطرد في عملهم
الفرص و العروض الجيدة ستأتي للرؤساء التنفيذيين الذين يحاولون أولاً إنقاذ جميع الموظفين على متن السفينة قبل أن يقفزوا هم إلى قارب النجاة

أما إذا اضطررت إلى الاستغناء عن الموظفين فٱفعل ذلك بتعاطف، قدّم لهم تعويضات إضافيًة مثلا، و إذا رأيت في أسوأ الأحوال أن المال سوف ينفد منك فتأكد أنك لن تصل تحت أي ظرف من الظروف إلى الصفر، افعل الشيء الصحيح و لديك ما يكفي من النقود في متناول الجميع لمنح راتب لا يقل عن أسبوعين أو أكثر قبل الإفلاس و إغلاق الشركة

المستثمرون الخاصون بك

الوصول إلى رأس المال هو أحد العناصر الأساسية للبقاء، بصفتك شركة ناشئة أو شركة صغيرة، يجب أن تدرك أن مستثمريك يسألون أنفسهم أيضًا كيف سيؤثر هذا الوباء على نموذج أعمالهم

الحقيقة الصعبة هي أنه في حالة وقوع أزمة فإن صندوق الإستثمار سيسأل نفسه أيضا "ماذا علي أن أبقي في قارب النجاة؟"

إن المستثمرين في هذه الظروف يفرزون صفقاتهم (بشكل أشبه بممارسة الرياضة) حيث سيكون عليهم أولاً القلق بشأن سيولة صفقاتهم المتأخرة التي لها أعلى التقييمات

عادةً ما يكون لدى هذه الشركات الناشئة معدلات إنفاق عالية جدًا و يمكن أن يذهب تمويلها سدًى، قد تكون أنت و بقاء شركتك الناشئة على رأس أولوياتهم و قد تكون أيضا غير مهم بالنسبة لهم (أصحاب رأس المال الإستثماري الذين يخبرونك بخلاف ذلك إما أنهم ساذجون، أو أنهم يكذبون، أو لا يخدمون مصالح مستثمريهم)

في كل إنهيار إقتصادي كبير، تختفي التقييمات المتضخمة و يبقى عدد قليل من أصحاب رأس المال الإستثماري يكتبون شيكات جديدة تجد لها مشترين (و من هنا جاء مصطلح "نسر الرأسماليين")

عاش بعض المستثمرين في سوق مزدهر فقط عندما إرتفعت التقييمات و كان رأس المال الإستثماري وفيرًا، لكن بعض المستثمرين المخضرمين يمكن لهم أن يتذكروا الشتاء النووي بعد فترات الركود السابقة لعامي 2000 و 2008 و يمكن أن يقدموا بعض الأنماط التاريخية للحوادث و التعافي إلى المديرين التنفيذيين الذين يديرون شركات ناشئة في مرحلة مبكرة (بعض هؤلاء المديرين لشركات ناشئة ربما لم يكونوا قد ولدوا بعد عندما ضرب إنهيار عام 1987)

ضع في إعتبارك أن ظروف اليوم مختلفة عن أي أزمات سابقة مرت بها البشرية، هذا هو الإغلاق الواعي لمعظم إقتصادياتنا، تداول الوظائف لإنقاذ مئات الآلاف من الأرواح، مما يتسبب في سوق منهارة و ركود محتم

هذه المرة، قد يعتمد بقاء المشاريع و نجاحها على ما تفعله صناديق الإستثمار، و شركات الأسهم الخاصة، و صناديق الثروة السيادية، وومجموعات الأسواق الثانوية الكبيرة، إذا تراجعت إستثماراتها فستكون هنالك أزمة سيولة بالنسبة للشركات الناشئة في مرحلة لاحقة (السلسلة B ، C ...)

بالنسبة لجميع الشركات الناشئة على المدى القصير، ستزداد شروط الصفقة و التقييمات سوءًا، و سيكون هناك عدد أقل من المستثمرين الذين ينظرون إلى صفقتك

بصفتك رئيسًا تنفيذيًا مبتدئًا، تحتاج إلى معرفة ما إذا كان مجلس الإدارة خاصتك سيصرخ في وجهك لعدم خفضك لمعدل الإنفاق بشكل جذري و الخروج بنموذج عمل جديد أم أنه سيصرخ في وجهك لوقف التشتت و البقاء في السوق و التركيز على جولة التمويل التالية ؟

إذا وقع الأمر الثاني، أود أن أعرف ما هو المخطط، لأنهم إذا كانوا مخطئين فمن السهل جدًا أن يخبرك المستثمرون أنهم سيدعمونك عندما تحتاج إلى جولة قادمة، حتى لا يكونوا كذلك، ما لم يطبق المستثمرون أوامرهم الخاصة بـ "السرعة الكاملة للأمام" مع إيداع في البنك الخاص بك، فالآن هو الوقت غير المناسب للإتجاه نحو معدل إنفاق لا يمكن إسترداده

إستعد لشتاء بارد طويل

و لكن تذكر أنه لا يوجد شتاء يدوم إلى الأبد و فيه سيزرع المؤسسون الأذكياء و الشركات ذات القيمة المضافة البذور للجيل القادم من الشركات الناشئة

الدروس المستفادة

• هذا هو الإغلاق الواعي لاقتصادنا، تداول الوظائف لإنقاذ مئات الآلاف من الأرواح
• من المحتمل أن يسبب الركود الذي سببه فيروس Covid-19 إلى تغيير كيفية التسوق و السفر و العمل لمدة عام على الأقل و ثلاثة على الأرجح
• من غير المعقول أن يكون لديك نفس نموذج الأعمال اليوم كما كان لديك قبل 30 يومًا
• وضع خطط لقوارب النجاة خلال فترات الركود الإقتصادي لمدة ثلاثة أشهر و سنة واحدة و ثلاث سنوات
• إعلم أن مستثمريك سيعملون من أجل مصالحهم التي قد لا تكون لك بعد الآن
• إتخذ إجراءات حاسمة الآن
• لكن تصرف بتأنّ".




إقرأ أيضا : 




مستقبل المعرفة©

أحدث أقدم